تخوف النظام من تدمير العمق الاستراتيجي
توازن القوى السياسية في الشرق الأوسط قد تغير بشكل كبير ضد النظام الإيراني. الضغوط المستمرة على القوات الوكيلة للنظام أدت إلى وضع غير مسبوق للنظام الذي لم يختبره طوال فترة وجوده. هذه التغيرات تحدث خصوصًا في ظل عدم قدرة النظام على مواجهة هذه التحديات، ولا يمكنه أيضًا أن يبقى مكتوف اليدين، حيث أن كلا الخيارين يؤديان إلى خسارته. "لا يمكنني أخذ الراحة، ولا أستطيع تحمل المغادرة، ولا أملك مكانًا للوقوف أو ملاذًا للهرب!"
لقد عاشت النظام الإيراني لأكثر من ثلاثة عقود على القوات الوكيلة وسعت لتوسيع نفوذها. لكن الآن، هذه القوات تتعرض لضغوط مستمرة وتتعرض للأذى. في هذه الحالة، يواجه النظام تحديات جدية تؤثر بشكل مباشر على استقراره وأمنه الداخلي. خاصة أنه يعرف الوضع الداخلي المتفجر أفضل من أي شخص آخر، وقد أطلق جميع مغامراته وأعمال الفتنة الأخيرة لتوجيه الأنظار بعيدًا عن الداخل الإيراني
ما هي روح وأساس نظام ولاية الفقيه؟!
تتمتع الحكومات الديمقراطية أو حتى شبه الديمقراطية ببقائها وشرعيتها بفضل أصوات مواطنيها. بعد انتهاء فترة الحكم، تتنازل هذه الحكومات عن السلطة لأخرى، إما أن تخرج من دائرة السياسة أو تظل في الظل في انتظار الدورة القادمة. لكن في الأنظمة الديكتاتورية، لا توجد تغييرات جذرية؛ الطاغية الجائر يثبت نفسه في قمة الهرم ويستمر في الحكم طالما استطاع. حتى إذا تغيرت حكومة تابعة، فإن ذلك يقتصر فقط على تبديل الوجوه والأدوار، حيث تكون مهمتهم الوحيدة تنفيذ "أوامر القائد الأعلى"!
في هذه الأنظمة الاستبدادية، يعتمد استقرار وبقاء النظام على عامل خارج إرادة الجماهير. قد يكون هذا العامل، كما كان في زمن الشاه، قوة عظمى مثل أمريكا. كان جهاز "ساواک" في زمن الشاه يرى أن الشاه قوي لأنه يحظى بدعم أمريكا. لذلك، كانت قمع الحرية بكل قوة مصحوبة بالعنف والتعذيب جزءًا من سياسة النظام. ولكن بمجرد أن تراجع الدعم الأمريكي عن الشاه، كان أول من هرب هم عناصر "ساواک"، لأن روح آلة القمع كانت تعتمد على أمريكا، ومع انتهاء دعم القوة العظمى، لم يعد هناك دافع للقتل والاختفاء، ولم يكن أي معذب يعلم ما سيكون مصيره في اليوم التالي.
لكن في نظام ولاية الفقيه الذي لا يعتمد فعليًا على أي قوة عظمى خارجية، يتجلى عامل تحفيز القوى وعوامل النظام في "تصدير الإرهاب وإشعال الحروب". لهذا السبب يعتبر خامنئي العراق وسوريا واليمن ولبنان وفلسطين "العمق الاستراتيجي" لنظامه، وبحجة ذلك يحفز الحرس الثوري وقوات الباسيج. يجب عليه أن يظهر قوته في ظاهرة مادية حتى يحافظ على القوى القمعية والمجرمين من حوله؛ للدفاع عن نظامه. لذلك، كان دائمًا يثير الدخان والضباب حول تأثيره على أربع عواصم عربية، وأمر عملاءه بالإعلان عن دعمه لهم من كل منصة.
بعبارة أخرى، حافظ خامنئي طوال هذه السنوات على الحرس الثوري والباسيج والقوى بالملابس المدنية من خلال تعزيز القوات الوكيلة. كانت الدعاية حول 150,000 صاروخ جاهز للإطلاق من حزب الله جزءًا من هذا السياق. كان يعلم أنه إذا توقف عن الإرهاب وإشعال الحروب مع هذه أو تلك القوة الوكيلة، فإن "ريح الولاية" ستفرغ كما قال خميني الجلاد. كان يعلم أن هؤلاء المجرمين الذين يقتلون ويعذبون العتالين وناقلي الوقود ويطلقون الرصاص في العيون من أجل بقاء خامنئي ونظامه هم عبيد للسلطة، وإذا شعروا أن ولي الفقيه ليس له قوة سياسية أو عسكرية، فسيتفككون بسرعة أكبر من ساواک
بداية الزعر!
بسبب تدمير هذا العمق الاستراتيجي وتفكك الوكالات، انتشر الخوف والرعب في جميع أنحاء النظام.
مع زوال ريح وروح ولاية الفقيه، لم يعد هناك من يأمل في غدٍ أفضل؛ حيث الحرسي قاليباف في خطاباته يصرف فعل "لا نخشَ" لجنوده،
والحرسي عراقجي يحمل ماعون التسول وفي جولة إقليمية، يتوسل إلى بلدان مختلفة لمنع اشتعال الحرب،
وبلد مثل لبنان، الذي كان تحت سيطرة النظام، يحجم أيادي النظام فيه ويستدعي السفير الإيراني بسبب أي خطأ.
ولم تعد سورية تظهر وجهاً جيداً للنظام، وهي تنأى بنفسها بهدوء عن النظام و'محور المقاومة' التابع له.
يعبّر أحد خبراء النظام في التلفزيون عن قلقه قائلاً: "اليوم هناك أجواء أكثر خطورة مقارنة بالعام الماضي، حيث أحضرت أمريكا طائرات التزود بالوقود إلى المنطقة ودخلت طائرات بي-52" (تلفزيون النظام– 17 أكتوبر 2024 )،
كما يشكو أئمة الجمعة من موجة الإحباط و"اليأس" بين "القوى القيمة"(الحرس والباسيج) للنظام، قائلين إن "بعض التحليلات تأتي من أشخاص جبناء بسبب التهديدات وكلمات العدو... تؤدي هذه التحليلات إلى خيبة الأمل والتشويه وإضعاف المسؤولين، بل وأحياناً تقع حتى قوى ذات قيمة في فخ هذه التحليلات' و...
لذلك، فإن حصون ولاية الفقيه في الشرق الأوسط تنهار واحدة تلو الأخرى، وهذا هو "الخسارة الاستراتيجية" التي توقعتها المقاومة الإيرانية قبل عام عند بداية مغامرات خامنئي العسكرية.
والآن مع اشتعال الاحتجاجات وانفجار غضب الشعب في ظل الظروف الاجتماعية المتفجرة، سنشهد المزيد من أمواج الرعب واليأس والانهيار في القوى الداخلية للنظام.
تعليقات
إرسال تعليق