فقر, إدمان, وفات راحلة ذكايي و حكايتها


لا يثير الكثيرين خبر وفاة راحلة ذكايي جراء اصابتها بالسرطان كونها كأي انسان آخر من بين 75 مليون شخص رغم أن مفارقتها الحياة أحزنت الكثير من السجينات اللواتي قضين في السنوات الاخيرة حبسهن معها و كذلك طال الخبر الى كافة السجناء السياسيين المسجونين بسجن ايفين السيء الصيت، الذين كانت لهم لحظات مشتركه بين الفرح والبكاء والغم مع راحلة.
لراحلة كانت قصة عجيبة وراء قضبان السجن. فقد أمضت 13 عاما من عمرها القصير في السجن بتهمة السرقة و الإدمان بالمخدرات التي تركتها مرارا الا انها لم تتمكن أن تترك اشتياقها للاخيرة وتعودت عليها وعادت اليها ثانية .
حين كانت في 11 من عمرها استغل اعمامها اياها كغطاء لعمليات السطو المسلح وفي 13 من عمرها تم اخراجها من البيت لكي تعيش مع الرجل الذي أنجبت له ابنا وقد قُتل خلال عملية سطو مسلح.
وفي الـ 16من عمرها سجنت راحلة بتهمة السرقة بالإضافة الى تهم أخرى عائدة الى المخدرات. وكانت هذه التجربة مريرة جدا بالنسبة لها والتي تراوحت بين دخول وخروج السجن بالإضافة الى محاولات استنطاقها في الزنازين الانفرادية. وفي غضون ذلك تحملت مسؤولية عناء حمل صديقتها التي التقت بها لأجل إنقاذ صديقها من اعدام. (للتذكير فان إيران معروفة بإعدام المئات سنويا بتهم المخدرات، الامر الذي تم ادانته من قبل منظمة العفو الدولية مرارا وتكرارا). وقد كلفت هذه الصداقة لراحلة عشر سنوات خلف القضبان المظلمة.
كانت دائما تحلم في حماية طفلها كما كانت قلقة على مصير ابنة اختها ذات ال 5 سنوات والتي أعدم ابوها وانتحرت امها. كانت تريد رعاية هاذان الطفلان فضلا عن حماية شقيقها وشقيقتها التوأمين الاصغرين منها. لكنها كانت محرومة من اللقاء بهم فقبل دخولها السجن كانت تعمل في حانوت صنع اللعب مدينة ساري (شمالية إيران) لدفع مصاريف نقالة ابنها.
لقد غيرت انتفاضة 2009 مصير حياتها كما فعلت بالآخرين. فمتى ما منعت السجينات السياسيات من إمكانية الاتصال بعوائلهن، تولت راحلة الاتصال نيابة عنهن فاتهمتها السلطات إثر ذلك بصلتها مع سجناء المعارضة اعضاء منظمة مجاهدي خلق الايرانية.
خلال فترة من حياتها بدت راحلة متلهفة للتعلم وابدت رغبة جامحة للدفاع وبفعالية عن حقوق الانسان. فتركت مرة اخرى المخدرات وخصصت وقتها لقراءة الكتب. أخذت تكتب لمدة طويلة قصة حياتها وعلى وجه الخصوص حكاية السجينات في مختلف سجون البلد كما سجلت تقريرا ذا قسمين من سجن "قرشك" جنوب شرقي طهران وهو ما تم نشر في وب سايت الذي يهتم بقضايا النساء الايرانيات. استمرت كتاباتها عن السجون التي خاضت غمار تجربتها، سجن مدينة مشهد ـ سبزوار ـ قزلحصار ـ ايفين فألقت الضوء على الامراض الجلدية المروعة التي أصيبت بها السجينات واستخدامهن لابرة واحدة مشتركة لتزريق المخدرات. ما يجدر التنويه له ان القارئ يلزمه الكثير من رباطة الجأش لتحمل القصص الفظيعة التي روتها... كما وضحت راحلة ان سجن ايفين لم يكن أكثر رحمة من سجن قرشك. فأرادت ان تسجل كتابا حول هذا المكان المخيف الذي كان كابوسا مروعا بحق.
فبالرغم من الآلام والمعاناة التي تجرعتها خلال ايام طفولتها وراء غضبان السجون الا انها كانت تعشق الحياة والتعلم. فحلمت ان تطأ قدماها المدرسة وان تتعلم الانجليزية وتتقن استخدام الحاسوب. ولأول مرة لمعت عيناها من الفرح كونها مستغلة المدة القصيرة من حريتها فأروت شغفها للتعلم بالذهاب الى المكتبة فقرأت كافة الكتب الموجودة هناك وكان هذا عاملا رئيسا في تغيير توجهاتها وطريقة تفكيرها. مضت 9سنوات وهي لا تزال في قلبي...
كانت تأمل بالحرية فحلمت بها في الكثير من لياليها لكن السرطان انتشر في جسدها النحيف وسلبها آخر انفاسها في 17 فورية 2017.
أصبحت إيران في حال ميؤوس منه في ظل حكم الملالي وبقيت قصص امثال هاته النسوة لغزا يخيم على هذه الارض الأثرية القصص التي تبدأ غالبا بالسجن ظلما والتعرض لأبشع أصناف التعذيب ومن ثم الاعدام على يد جلاوزة النظام، وتتوالى المأساة لنساء واجهن بوجوههن واجسادهن الاسيد ما سبب لهن اذى ابديا، فضلا عن الملايين الذين تحملوا صعوبات ومرارة الحياة جراء 38 سنة من حكم الملالي بلا رحمة والمعادي للنساء.
مضى اليوم العالمي للمرأة وما زال الوضع المزرى للنساء في إيران على حاله الا ان النضال سيبقى مستمرا حتى حصولهن على حقوقهن وحريتهن التي لطالما حلمن بها. نعم يجب على البشرية وضع حد لكل هذه الإساءات تجاه النساء خاصة في إيران. القرن ال 21 ليس مناسبا لمثل هذه الفظاعات.


تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

خامنئي إما أن يخسر فلسطين أو رأسه!

رأس الأفعى في طهران

الدعم العالمي لفلسطين، وركوبُ خامنئي الأمواج