خامنئي إما أن يخسر فلسطين أو رأسه!

 قضية الحرب في غزة بين حماس وإسرائيل لها أبعاد عديدة. لكن الأمر الواضح هو أن أحد الأطراف الجدية هو النظام الإيراني الذي يمارس الحرب في المنطقة منذ 4 عقود باستخدام قوات بالوكالة. ويواجه النظام الإيراني أزمات خطيرة في الداخل الإيراني وتزايد خطر الانتفاضات الشعبية، وقد حاول طوال حياته احتواء الأزمات الداخلية من خلال خلق الأزمات خارج أراضيه.

ومن خلال هذه الحروب التي تبدو مقدسة، يحفز هذا النظام قواه الفاسدة على قمع الشعب المنتفض بسهولة أكبر، ويغطي القمع الوحشي بالأجواء التي خلقتها دعاية الحروب المفتعلة، ويطور أسلحته النووية، وتوسع هيمنتها على المنطقة، وهو ما يشكل الدعم الرئيسي لقواها القمعية باسم الإسلام والإمبراطورية الإسلامية. کما کان للنظام الإيراني مآرب أخرى من اندلاع هذه الحرب، منها القضاء على الاتفاق بين السعودية وإسرائيل و...

المقال التالی ینظر على بعض أطراف هذه القضية


لقاء ممثلي حماس مع خامنئي في طهران

وصلت هذه الأيام لغة التحذير والتهديد بين الجمهورية الإسلامية والجماعات العميلة لها من جهة وأميركا وإسرائيل من جهة أخرى إلى مستوى غير مسبوق، وهو الوضع الذي طبع طريق اللاعودة وكل الاحتمالات تشير إلى ذلك. فالصدام بين المحورين أصبح لا مفر منه. فلا إسرائيل ولا الوضع السياسي الذي يعيشه نتنياهو يمنحه الفرصة للتخلي عن تدمير حماس، ولا تستطيع الجمهورية الإسلامية أن تشاهد تدمير مجموعاتها الوكيلة في فلسطين ولا تتخذ أي إجراء.

وفي الحروب السابقة، من صراع حزب الله مع إسرائيل عام 2006 إلى الحروب الستة التي خاضتها حماس من عام 2008 إلى عام 2022، لم تكن أي منها تحوي على موضوع "الحياة أو الموت" التي طرحها نتنياهو في هذه الحرب الجديدة أو موضوع التهجير القسري لأكثر من مليونين ونصف المليون نسمة الذين يعيشون في غزة، او موضوع التدمير الكامل لحماس. وفي حرب 2008، التي بدأت في 27 ديسمبر/كانون الأول وانتهت في 18 يناير/كانون الثاني 2009، حاول الجيش الإسرائيلي تحرير جنديه الأسير جلعاد شاليط، وتحجيم القوة الصاروخية لحماس التي لم تصل  في ذلك الوقت إلا إلى مدينة سديروت في شمال شرق غزة. وبلغ إجمالي عدد الإسرائيليين الذين قتلوا في هذه الحرب التي استمرت 23 يومًا 13 شخصًا فقط.

وبدأت حرب 2012 بين حماس وإسرائيل بسبب اغتيال إسرائيل أحمد الجعبري قائد كتائب عز الدين القسام، واستمرت 8 أيام. وفي هذه الحرب، ولأول مرة، وصلت صواريخ حماس إلى تل أبيب والقدس بمسافة تزيد على 80 كيلومترا. ولم تفقد إسرائيل سوى شخصين في هذه الحرب.

لكن أحد أكثر الصراعات دموية بين إسرائيل وحماس وقع في عام 2014، والذي استمر لمدة 51 يومًا. وكان سبب هذه المواجهة قيام إسرائيل باغتيال ستة من أعضاء حماس في الضفة الغربية. واتهم الستة باختطاف وقتل ثلاثة مستوطنين إسرائيليين، وهي التهمة التي نفتها حماس. ورافقت هذه الحرب 60 ألف غارة جوية على مدينة غزة، وخلفت أكثر من 2300 قتيل و11 ألف جريح في الجانب الفلسطيني، و68 قتيلا و2522 جريحا في الجانب الإسرائيلي. وقد جرت هذه الحرب خلال فترة رئاسة نتنياهو، الذي قال إن هدفها كان "تدمير شبكة الأنفاق تحت الأرض التابعة لحماس".

فمنذ 2019 إلى 2022، كانت هناك ثلاثة صراعات محدودة بخسائر محدودة وفترة زمنية قصيرة بين فلسطينيي غزة وإسرائيل، وانتهت جميعها دون أن تتحول إلى حرب، في بدايتها، بوساطة مصرية.

في كل الحروب السابقة، كانت الجمهورية الإسلامية حاضرة ضد إسرائيل سواء في سياستها الخارجية أو في الشعارات والبرامج الدعائية، وبالطبع كانت بصماتها واضحة في تطور وتقدم صواريخ حماس. لكن هذه الدعاية والشعارات والسياسات المنتشرة على نطاق واسع والتي استمرت مع ولادة الجمهورية الإسلامية لأكثر من أربعة عقود، لم تصل قط إلى المسار الضيق الحالي حيث تضطر الجمهورية الإسلامية إلى الاختيار بين بقائها وحماس. إن كل التحذيرات الحالية التي توجهها الولايات المتحدة والدول الغربية وإسرائيل للحكومة الإيرانية هي أنه يجب أن تفكر في بقائك فقط!

ومن ناحية أخرى، فإن العالم العربي لا يثق بالجمهورية الإسلامية في قسمين من الرأي العام وحكوماتها. ورغم أن الرأي العام في العالم العربي يثار بقوة هذه الأيام ضد إسرائيل وأميركا بسبب "مذبحة" أهل غزة، إلا أنهم لا يصدقون أبداً الشعارات القاسية التي يطلقها قادة الجمهورية الإسلامية ضد إسرائيل وأميركا. في كل وسائل الإعلام العربية التي تفتحها هذه الأيام، هناك هذا التحليل الذي مفاده أن "الجمهورية الإسلامية رفعت شعارات ضد إسرائيل على مدى أربعة عقود وستستمر في رفع نفس الشعارات على مدى العقود الأربعة المقبلة دون اتخاذ أدنى إجراء". يعتقد الكثير من العرب أن الجمهورية الإسلامية أرسلت الفلسطينيين إلى الحرب وتركتهم وشأنهم!

وبالإضافة إلى هذه النظرة إلى الجمهورية الإسلامية، فإن الحكومات العربية تريد أيضاً القضاء على حماس، وتعتبرها مسؤولة عن الوضع الحالي. إن ما فعلته حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر الماضي وضع ثلاث دول عربية مهمة على الأقل، وهي مصر والمملكة العربية السعودية والأردن، في موقف "صعب ومحرج". وسوف يرى المصريون قريباً أن صحراء سيناء سوف تصبح جزءاً من الصراع بين حماس وإسرائيل. ويتعين على السعوديين الآن أن يتخلوا عن كافة مشاريعهم الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة ويتطرقوا بموضوع حماس. وفي الأردن، حيث نصف السكان من الفلسطينيين، قد یکون التمرد في أي لحظة ضد الحكومة. كما وصفت الإمارات العربية المتحدة، وهي دولة عربية أخرى، حماس علناً بأنها جماعة إرهابية في الأمم المتحدة.

أعلن الصحفي السعودي المعروف عبد الرحمن راشد، أمس، للفلسطينيين في مقال بصحيفة الشرق الأوسط أن أياً من الحكومات العربية لن تغير سياساتها تجاه إسرائيل بسبب حماس، والخاسر الرئيسي من الصراع الحالي هم الفلسطينيين. ولن يدفع ثمن ما فعلته حماس يوم 7 أكتوبر سوى الفلسطينيين في غزة والضفة الغربية.

حماس ليست جزءا من نظام الدفاع الإيراني

وعلى عكس الجماعات الأخرى التابعة للجمهورية الإسلامية، فإن حماس والجهاد الإسلامي ليسا جزءًا من نظام الدفاع الإيراني، وليسا على استعداد للانخراط في اشتباكات وصراعات في أماكن أخرى باستثناء فلسطين بناءً على طلب الجمهورية الإسلامية. لكن على النقيض منهم، أنشأ حزب الله اللبناني جبهة داخل العراق إلى جانب ميليشيات أخرى تابعة للجمهورية الإسلامية، وبدأ، بأوامر من قادة فيلق القدس، التدريب العسكري للحوثيين. وبأمر من الجمهورية الإسلامية، تجاوز الحوثيون اليمن وهاجموا الإمارات وحاولوا إطلاق صواريخ إلى إسرائيل في حرب غزة المستمرة. وتعمل ميليشيات أخرى، مثل فاطميون وزينبيون والحشد الشعبي وحزب الله السوري، كقوة متحركة في أيدي الجمهورية الإسلامية، حيثما كان ذلك ضروريا. وهذا على الرغم من حقيقة أن حماس والجهاد الإسلامي رفضتا الدخول في الصراع والانضمام إلى ما تسميه الجمهورية الإسلامية "محور المقاومة" في الحرب الأهلية السورية.

ولكن على الرغم من حقيقة أن حماس والجهاد الإسلامي لم يرافقا الجمهورية الإسلامية في سوريا، لم تتمكن الحكومة الإيرانية من تجاهل هاتين المجموعتين السنيتين الفلسطينيتين واستأنفت المساعدات المالية والأسلحة والتدريب لهما. وتعتبر حماس والجهاد الإسلامي أكبر متلقي المساعدات المالية من الجمهورية الإسلامية بعد حزب الله اللبناني. وتعتبر الجمهورية الإسلامية حماس والجهاد الإسلامي بوابتها إلى القضية الفلسطينية التي أصبحت جزءا لا يتجزأ من السياسة الخارجية والشعارات والبرامج الدعائية للنظام الحاكم الإيراني منذ 44 عاما. لكن الوضع الحالي لا يترك خيارات كثيرة أمام خامنئي. وأياً كانت حسابات خامنئي في حرب غزة وأياً كان استغلاله منها سواء في الداخل والخارج، فإن ذلك يفرض خيارين على زعيم الجمهورية الإسلامية: إما بقاؤه أو بقاء حماس.

إذا اختار قائد الجمهورية الإسلامية بقاء نفسه، فهو هذه المرة لم يقم بتغيير تكتيكي أو موضعي أو مؤقت، بل عليه أن يودع القضية الفلسطينية واستراتيجيتها وشعارات الجمهورية الإسلامية ودعايتها منذ 44 عاماً حول هذه المسألة. ولهذا أقول: على خامنئي إما أن يخسر القضية الفلسطينية أو أن يفقد رأسه.

حسن هاشميان كاتب ايراني يحرر في العربية الفارسية

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

رأس الأفعى في طهران

أحمدي نجاد: صهر خامنئي ذو علاقة بإسرائيل